أثار الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في الحروب والنزاعات الأخيرة جدلًا واسعًا حول دوره المستقبلي في ميدان القتال. مع تصاعد العمليات العسكرية في غزة ولبنان، بات الذكاء الاصطناعي محورًا رئيسيًا في تتبع قادة حركات المقاومة واغتيالهم، ما يكشف عن قدرة التكنولوجيا المتقدمة في توجيه الضربات بدقة غير مسبوقة. هذا التطور يثير تساؤلات عميقة حول مدى اعتماد الجيوش على هذه التكنولوجيا في الحروب القادمة، وهل يشكل ذلك تحولًا جذريًّا في المفاهيم العسكرية؟

تكنولوجيا الحروب الحديثة

في حديث لـ"النشرة"، أوضح خبير التحول الرقمي رامز القرا أن الطريقة التي استُهدِف بها قائد حماس يحيى السنوار بعد تصويره من خلال المسيّرة تؤكد أن الحروب تتجه نحو الاعتماد الكامل على التكنولوجيا، مع تقليص الدور البشري. يقول القرا: "المسيّرة دخلت إلى المبنى وحدها، اكتشفت وجود شخص على قيد الحياة، وحللت المعلومات عبر الذكاء الاصطناعي، ثم خرجت لإرسال الأمر بتنفيذ الضربة. كل هذا يمكن أن يحدث بأتمتة شبه كاملة مع إشراف بشري بسيط".

يرى القرا أن هذا التوجه يعكس تحولًا جذريًّا في طبيعة الحروب، حيث سيصبح العامل البشري أقل تأثيرًا مع مرور الوقت. الحرب المستقبلية قد تشهد الاستعاضة عن الجنود بالآلات المسيّرة التي يمكنها تنفيذ المهام العسكرية نيابة عن البشر، ما يذكرنا بأفلام الخيال العلمي حيث تقوم الروبوتات والمسيّرات بشن الهجمات.

الحرب بالآلات

يشير القرا إلى أن الحروب التقليدية التي تعتمد على إنزال خسائر بشرية فادحة بالعدو قد تفقد فعاليتها مع الزمن. في المقابل، سيكون التفوق التكنولوجي هو العامل الحاسم في أي مواجهة. فبفضل التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكان القوات العسكرية إرسال آلاف الآلات المزودة بقوة تدميرية هائلة دون تعريض الجنود للخطر.

إلى جانب ذلك، فإن الخسائر المالية الناتجة عن الحرب بالآلات قد تكون أكثر تأثيرًا مقارنة بالخسائر البشرية. ومع تفوق تكنولوجي لطرف على آخر، يمكن أن تتحول المعركة لصالحه بسهولة، وهو ما يجعل من الضروري أن تكون الأنظمة العسكرية مستعدة لهذا النوع الجديد من الحروب.

الأمن السيبراني

لا يقتصر التفوق التكنولوجي على استخدام الذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة فحسب، بل يمتد ليشمل جوانب أخرى مثل الأمن السيبراني. فيشدد القرا على أهمية هذا الجانب في أي مواجهة مستقبلية، حيث إنّ الأنظمة الإلكترونية مثل الهواتف والكاميرات وأجهزة التلفاز قد تصبح أهدافًا سهلة للاختراق.

قد يعتبر البعض أن مراقبة عدد هائل من الأجهزة في وقت واحد أمرًا مستحيلًا، لكن مع التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن مراقبة مئات الآلاف من الأشخاص في وقت واحد. يستشهد القرا بتجربة الصين التي تراقب مواطنيها بشكل كامل، ما يتيح تتبع مخالفات الأفراد بشكل دقيق وتحديد تأثيرها على حياتهم اليومية.

أكثر من مجرد تقنية حربية...

يتعدى تأثير الذكاء الاصطناعي المجال الحربي، ليشمل الحياة اليومية واقتصاد المعرفة. وفقًا للقرا، فإن التكنولوجيا أصبحت عنصرًا أساسيًّا في حياتنا، ومن المتوقع أن تشهد المؤسسات والشركات تغيرات جذرية في طبيعة العمل والخدمات التي تقدمها.

يشير القرا إلى أن التدريب على استخدام الذكاء الاصطناعي بات ضروريًّا لمواكبة التطورات المستقبلية. فالمعرفة التكنولوجية أصبحت أساسية لكل شخص يرغب في البقاء في سوق العمل المتغيرة، وهو ما يتطلب استثمارات كبيرة في التعليم والتدريب.

المعرفة قبل التكنولوجيا

يرى القرا أن التحدي الأكبر في مجال الذكاء الاصطناعي ليس تحديًا تقنيًّا بقدر ما هو تحدٍّ معرفي. على الرغم من أن بناء طائرة أو صاروخ يتطلب منشآت كبيرة وتقنيات متقدمة، فإن تطوير الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتم من خلال حاسوب واحد فقط. المشكلة الحقيقية تكمن في الحصول على البيانات اللازمة لتطوير هذه التقنية.

البيانات متوفرة بكثرة على الإنترنت، لكن التحدي يكمن في جمعها وتحليلها بفعالية. لذلك، يرى القرا أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة حقيقية للدول والمجتمعات التي تسعى لاستعادة مكانة ريادية في العالم، شرط أن تكون قادرة على إتقان هذا المجال بشكل كامل.

الذكاء الاصطناعي فرصة

يؤكد القرا أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد طفرة تكنولوجية، بل هو فرصة نادرة للدول والمجتمعات لتكون رائدة في المستقبل. ومع وجود تطورات هائلة في مجال الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، فإن الدول التي تستثمر في هذا المجال ستكون الأوفر حظًّا في السيطرة على حروب المستقبل وتطوير اقتصاد المعرفة.

إذا أردنا مواجهة تحديات المستقبل، علينا أن نبدأ الآن بتدريب الأفراد وتطوير الأنظمة التي تواكب هذه التغييرات الهائلة، حتى نكون مستعدين للمرحلة القادمة.